في ظالل السدو: حكاية أبو سلطان وإرث والدته
في قلب الكويت، حيث يمتزج الماضي بالحاضر، وتنبض قصص األجداد في نفوس األحفاد، نلتقي بأبي سلطان، حسين
عايض الرشيدي، الذي يحمل بين طيات روحه إرث والدته الراحلة عليا عليان الرشيدي. هذه األم التي لم تكن تُتقن فن
.السدو فحسب، بل كانت تجسد كل ما يحمله هذا الفن العريق من معاني الصبر والدقة والمحبة
نشأة على حب السدو
منذ نعومة أظفاره، كان أبو سلطان يراقب والدته، التي تروي بشغف غزل الصوف ونسيج األرواح، في فناء المنزل.
كانت تحرص على جلب الصوف بنفسها، تغسله وتجهزه، ثم تصبغه بيدها. يشاهدها أبو سلطان وهي تعيد الحياة أللوان
الطبيعة، تلتقط ظالل األرض وترسمها على القماش. يخبرنا قائال:ً “ال أنسى كيف كانت تقضي شهو ًرا في صنع المخاد
.”والمساند، مضحية بوقتها وجهدها، لترسم لنا ذكريات ال تنسى
وصية ال تُنسى
لم يكن فن السدو بالنسبة لوالدة أبي سلطان مجرد حرفة، بل كان عهداً وحباً من أعماق الروح. وعندما أشتد المرض
د حضورها. وحين دنت لحظات الرحيل، أوصت أبا سلطان
ّ
عليها، لم تتوقف عن نسج األلوان، وكأنها تقاوم به ألمها وتخل
بأمانة غالية: “ال تبيع السدو”. كان قلبها مفعًما باإلخالص، أرادت أن تظل تلك القطع شاه ًدا على حياتها وفنها وتاريخ
.عائلتها
الحفاظ على اإلرث
كبر أبو سلطان، وكبر معه اإلحساس بالمسؤولية تجاه إرث والدته. لم يتعامل مع قطع السدو كأنها مجرد نسيج، بل رأى
فيها نبض والدته وعرقها المتدفق، وقطعة من قلبها. فاختار أن يضع تلك القطع في مكان آمن، حيث ال تذبل ألوانها مع
ًما ال يختفي
.مرور الزمن، وتظل تروي قصة امرأة كويتية جعلت من فن السدو عال
قرر أبو سلطان التبرع خمس عشر ة قطعة من فن والدته لمتحف بيت السدو، ليشارك العالم بجمال إرثها ويتيح لكل من
يراها أن يتأمل تلك األنامل التي نسجت األلوان واألحاسيس. يقول بصوت مليء بالحنين: “عندما غادرت القطع بيتي،
.”كأنما جزء من روحي قد غادر معها، ولكنني واثق بأن الناس سيدركون قيمتها، وسيخلدون ذكرى والدتي بالدعاء لها
بيت السدو: متحف الذكريات الحية
في متحف بيت السدو، تقف القطع التي نسجتها الوالدة الراحلة عليا، كأنها تنبض بالحياة، تهمس بحكايات عن أيام مضت
وذكريات ال تُمحى. يشعر الزائرون بأصالة الحرفة ويستحضرون روح الماضي الذي جلبته أناملها، ويتأملون جمال الفن
.الذي ورثه أبو سلطان من والدته، ويتعلمون من دقة صنيعها وبراعة األلوان التي سكنت تفاصيل تلك القطع
الأثر الدائم
قصة أبو سلطان ليست مجرد حكاية عن فن السدو، بل هي حكاية عن الوفاء والقيم والعطاء، عن أمٍ تركت بصمتها في
نفوس أبنائها، وابنٍ حمل أمانتها حتى بعد رحيلها، ليحافظ على ذكراها من خلال الفن، ويهديها لأجيالٍ قادمة، علّهم يرون
في أعمالها روح الكويت وأصالة الماضي . بهذه الكلمات المفعمة بالحب، ينهي أبو سلطان حديثه قائلاً: “هذا السدو هو روح أمي، وذكراها التي لا تفارقني. أتمنى أن يظل موجودًا ليعرف الناس من كانت، وكيف كانت تنسج لنا كل ما هو جميل